Ỷðŭţήيوليو 29th 2011, 9:18 am
بتصرف من حلقات آفات اللسان :
هذه الآفة من آفات اللسان هي: المنّ بالأعطية، أو المنّ بالمعروف، أو المنّ بما نصنع من خير. قال الله تعالى:
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ
إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17). إن الذي يمن هو الله رب
العالمين، قال العباس، رضي الله عنه: "إن في المعروف ثلاثة، إن عجّلته
هنأته، وإن سترته تممته، وإن صغرته عظمته" ([1]). فالإنسان الذي يريد أن
يصنع معروفًا في إنسان، تجب عليه جملة أمور:
1- أن يستره، يعني: يستر المعروف، ولا يفضحه على رؤوس
الأشهاد، يعني أعجب من بعض الذين يسّر الله لهم أموالًا كثيرة، ويريدون أن
يخرجوها ابتغاء مرضاة الله ينشر أنه وزع كذا وكذا في وسائل إعلام معينة أو
في صحيفة معينة أو أن الأسر الفقيرة التي في المنطقة الفلانية قد أعطاها
الرجل الثري المفضال الكريم كذا وكذا، انظر إلى السبع الذين يظلهم الله في
ظله يوم لا ظل إلا ظله: "ورجل تصدّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما
أنفقت يمينه" ([2]).هذه كناية عن شدة إخفاء الخير الذي تصنع. وكان الصحابة،
رضي الله عنهم، يتنافسون في صناعة الخير وفي عمل الخير، ويستر الواحد منهم
ما يصنع من خير.
- أن تعجّله، يعني: إن أردت أن تصنع في إنسان خيرًا، إن طلب
منك أو لم يطلب، عليك أن تٌعجل، بأن تزوج له ابنته، تُقيله من عثراته،
تفرج كربه، تُغيث لهفته.
3- أن تصغره، تقول: والله يا أخي ما صنعت شيئًا، يقول: جزاك
الله عني خيرًا أنتَ قد صنعت كذا وكذا، يقول: يا أخ الإسلام لا تكّبر
المسألة، هذا أمر صغير، هذا أقل ما يجب. هكذا تشعر هذا الإنسان أنك ما صنعت
ما يجب أن يُصنع لأمثاله من أهل الخير، ولا تمن ولا تقول: والله صنعت كذا
وكذا.ولذلك أخ الإسلام وأختي المسلمة وأبنائي وبناتي يجب أن نضع ميزانًا
لصناعة المعروف. فأحيانًا الإنسان يصنع المعروف، ولا يعرف هل هذا المعروف
كان خالصًا لوجه الله أم أنه صُنع نتيجة ظرف معين وأمر معين. أولًا إن صنعت
في إنسان معروفًا، ورد عليك ردًا حسنًا فسررت بهذا، أو رد عليك ردًا سيئًا
بعد أن صنعت فيه المعروف فحزنت، فأعلم أن هذا المعروف ليس لوجه الله
([3]).
يعني أنتَ صنعت في إنسان أمرًا ما خير، فرد عليك ردًا سيئًا
يعني مثلًا صنعت في فقير أمرًا معينًا، فرجت كربه أو سددت دينه، أو أنفقت
عليه حتى اشتريت له الدواء أو الكساء أو غير ذلك. وطلبت منه مطلبًا معينًا
في يومٍ ما بعد أن صنعت فيه هذا المعروف فلم يسعفك ولم ينفذ طلبك ولم يستجب
لك، فحزنت وتعجبت، وقلت سبحان الله، انظر يا أخ الإسلام أصنع في هذا
المعروف والخير ولكنه وللأسف الشديد يرد عليّ هذا الرد ويقصر في صناعة
الخير لي، وانظر أنا ماذا أصنع له؟ أعلم أن هذا المعروف ليس لوجه الله،
لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول :إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ
اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) (الإنسان:9).يعني أنت
إذا صنعت الخير في إنسانٍ ما، فلا تنتظر أن يرد أو لا يرد؛ لأنك صنعته
ابتغاء مرضات الله. فإذا صنعته ابتغاء مرضات الله فرب العباد سبحانه وتعالى
سوف يكافئك خيرًا. فخير المعروف: ستره وتعجيله وتصغيره.والله سبحانه
وتعالى في مسألة المن يقول محذرًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) (البقرة من الآية:264).
يعني: تمن على الله سبحانه وتعالى في صدقته، والأذى
لصاحبها، أي: تؤذي صاحب الأمر في أنك تقول له: أنا صنعت فيك كذا وكذا.
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر
إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم, المسبل (أي الذي يلبس ثوبًا
طويلا يقصد به التكبر والاستعلاء والتبختر) المسبل إزاره، والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب، (يعني :يقسم بالله والله أن هذه ثمنها كذا، وهو على غير
ذلك) المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" ([4]) المنّان (الذي
يمن على الناس)وفي رواية أخرى"ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه
والمدمن الخمر، والمنّان" (([5].ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم:"إياكم
والمن بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر" ثم تلى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)
(البقرة: من الآية264) ([6]). ابن سيرين يسمع رجلًا يقول لآخر أحسنت إليك
وفعلت كذا وفعلت كذا. فقال له ابن سيرين: اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي
([7]).
فلا خير في المعروف إذا أحصي، فالإنسان إذا قال لإنسان أحسن
إليه: أنا أحسنت إليك، وأنا صنعت كذا وصنعت كذا، وفعلت لك كذا وكذا، فلا
خير في هذا المعروف؛ لأنه أحصاه وعدده، فمن منّ بمعروفه، سقط من شكره. ومن
أُعجب بعمله حبط أجره.وقديمًا قالوا: لا تحملّن من الأنام بأن يمنوا عليك
مِنا، واختر لنفسك حظها، واصبر فإن الصبر جُنة. منن الرجال على القلوب أشد
من وقع الأسنة. كان بعض الحكماء ينشدون: وصاحبٌ سلفت منه إلى يد أبطأ عليه
مكافاتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاربني أبدى الندامة مما كان أولاني
أفسدت بالمن ما قدمت من حسدٍ ليس الكريم إذا أعطى بمنانفالإنسان لا يمن
أبدًا على الناس، وإذا أعطى شيئًا يبتغي بما أعطى وجه الكريم سبحانه وتعالى
وأن هذا العطاء إنما هو من رب العالمين سبحانه وتعالى، فيحمد الله عز وجل
أن جعله معطاءً، ويمنح ولا يبخل، ويصير كريمًا؛ لأن المعطي أصلًا إنما هو
رب العباد سبحانه وتعالى.أخوة الإسلام كثير من أبنائنا وبناتنا، للأسف
الشديد، ينسون عندما يكبرون. كان هذا الولد صغيرًا وكان أبوه كبيرًا. كان
هذا الولد ضعيفًا وكان أبوه قويًا. بعد أن مرّت السنون وتوالت الأعوام كبر
الأب فصار ضعيفًا، وكبر الابن فصار قويًا، عجز الأب فصار فقيرًا وارتزق
الابن واتسعت تجارته فصار غنيًا، فيبدأ الابن من باب البر أن ينفق على
أبيه، ولكن كثيرًا أو بعضًا من أبنائنا يمنون، إذا قلت له: يا فلان أنتَ
مقصر من ناحية أبيك، أنت مقصر من ناحية أمك، يقول: لا أنا أعطيت كذا وكذا،
وصنعت له كذا وكذا، وأخذته ليؤدي مناسك الحج وأعطيه كذا، وآتي له بالكساء،
وآتي له بكذا. يا أخ الإسلام لا تمنّ فأنت ومالك لأبيك، أنتَ وما تملك إنما
هو ملك لأبيك. وإن أمراك، أي الأب والأم، أن تخرج من أهلك ومالك فهل
تبرهما؟!أخطر أنواع المن، أن يمن الإنسان على أبيه وأمه؛ لأن من ضمن الستة
الذين لا يأخذون زكاة المال أولا يحق أن يُعطوا زكاة المال "الأب والأم"،
الأب وإن علا والابن و إن سفل. لماذا لا يعطى الأب؟ لماذا لا تعطى الأم؟
لأنهما في رقبتي، وتحت رعايتي (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ
الْكِبَرَ)(الإسراء: من الآية23) أنا وما أملك إنما ملك لأبي، وملك لأمي،
فيجب أن أعطيهما، لماذا؟ لأنهما هما اللذان ربياني صغيرا، قال تعالى: (فَلا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء: من الآية 23-24).
هكذا أمرنا رب العباد سبحانه وتعالى، فكيف يمن الإنسان على
أبيه، كيف يمن على أمه، كيف يمن على من كان سببًا في وجوده في هذه الحياة،
وكان سببًا في أن علماه القراءة والكتابة، فبدأ يقرأ في المصحف، وبدأ
يستقيم على الطريق، وبدأ يعمل ويتكسب نتيجة أن الأب والأم قد وكل الله
سبحانه وتعالى بما في قلوبهما من رحمة لهذا الابن، ثم بعد ذلك يأتي الابن
بعد أن صار قويًا، وصار فتيًا غنيًا ذا جاه و منصب، يمن على أبيه، أو يمن
على أمه بما يعطي، ويقول لقد أعطيت كذا وكذا!!حتى يقول بعض أهل العلم عندما
نأتي لنقسم تركة معينة فلا يقول ابن من الأبناء لقد أقرضت أبي كذا وكذا،
وقد أعطيت أبي في حياتي كذا وكذا، وأعطيت أمي في حياتها كذا. نقول أنت وما
تملك إنما هو ملك للأب وملك للأم لأنهما كانا سببًا في وجودك كما قلت في
هذه الحياة.أيضًا بعض من الأزواج يمنون على الزوجة: أنا صنعت كذا وكذا،
وأنا جئت بك من بيئة أقل، وجئت بك من عائلة فقيرة، وصرت بعد ذلك تركبين
أفضل السيارات، وتسكنين أفضل البنايات، وتعيشين أفضل البنايات، لا يا أخ
الإسلام، كلمة طيبة خير من صدقة يتبعها أذى، لا تمن على زوجتك. أيضاَ لا
تمن الزوجة على زوجها.
وتقول: أنا أخدمك وأخدم أطفالك.يا أخت الإسلام، ابتغ في ما
تصنعين وجه الله سبحانه وتعالى، ابتغ في ما تفعلين في بيتك ومع زوجك، حتى
وإن كان سيئ الملكة، ابتغ كرّم الله سبحانه، وثوابه ورضاه، هكذا إذا أراد
الإنسان أن يؤجر خيرًا في ما يصنع. أحبتي في الله، حقيقة الأمر مسألة المن
هذه، لا يمن ابن على أبيه، لا يمن ابن على أمه أو بنت على أمها، لا يمن أخ
على أخيه، لا يمن غني على فقير، فما سمعنا أن أبا بكر منّ على بلال، رضي
الله عنهما، الذي اشتراه ثم أعتقه، وقال عمر متأدبًا في قمة الأدب: أبو بكر
سيدنا وأعتق سيدنا، ويقصد: بلالًا، رضي الله عنه ([8]).لم يمن أغنياء
الصحابة على الفقراء بما صنعوا، حتى إن أهل الصفة، وهم فقراء المدينة الذين
كانوا لا يستطيعون العمل لضعفهم وضعف بنيتهم، كان الصحابة من الأغنياء
يربطون في سارية مؤخرة مسجد رسول الله حبلًا ويأتي الغني ليضع ما يريد
لإخوانه الفقراء من طعام أو شراب أو كساء أو أي ذلك. ويأتي هؤلاء الفقراء
ليأخذوا، لا يعرف الغني من الذي أخذ من الفقراء، ولا يعرف الفقير من الذي
أعطى من الأغنياء؛ لأن الكل إنما يبتغي وجه الله سبحانه وتعالى.لا يمن أحد
على أحد إلا إذا كان في قلبه مرض، وفي قلبه عدم نقاء، فالمن بما أعطى
الإنسان هذه آفة خطيرة يجب أن ننتهي عنها.نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقيّنا هذه الآفة وأن يشفينا إن كانت موجودةً عندنا، إن ربنا على ما يشاء قدير.