mr_ashraf30فبراير 8th 2011, 6:38 pm
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن اتبع هداه.
[size=12]أما
بعد، فإن الشعب المصري يَمر هذه الأيام بفتن تَموج كموج البحر؛ ومن هذه
الفتن الـهادرة فتنة هؤلاء المتظاهرين من حزب الإخوان المفسدين وغيرهم من
الحزبيين والشبـاب الـمخدوع الذين خرجوا رجالاً وركبانًا رافعين رايات
الـمطالبة بالإصلاح، ودفع المظالم زعموا!!
* فأقول لِـهؤلاء الـمتظاهرين:
أولاً:
لو بَحثنا معكم أمر الإصلاح الذي تطالبون به؛ هل هو الإصلاح الشرعي القائم
على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لَهم بإحسان؟
والجواب:
لا بل هي طلبات قائمة على الْمُناورات السياسية، والألاعيب الحزبية
ومنازعة الأمر أهله؛ من أجل الصراع على خطف السلطة من الحكَّام القائمين؛
فهو صراع على المناصب والسلطات.
وحتى
لو كانت مطالب الإصلاح موافقة للشرع الحكيم، فليس أبدًا من الشرع أن تتم
المطالبة بهذه الإصلاحات بهذه الطريقة الهمجية المسماة بالمظاهرات، إنما
يكون هذا بالسبيل الشرعي المتمثل في مناصحة من ولاَّه الله الأمر قدرًا من
أصحاب القوة والسلطان، مع الدعاء لهم بالصلاح والتوفيق والهدى، والصبر
عليهم مع جمع كلمة المسلمين والقضاء على أسباب الفتن، وهذا التناصح يكون عن
طريق المشافهة معهم لمن عنده القدرة على الاتصال عليهم، أو عن طريق
المراسلة ونحوها.
ومن
أراد أن يلتزم بحديث: "أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر"، فليطبق
الحديث –إن كان شجاعًا كما يدَّعي- وليذهب –وحده –لا متترسًا بالآخرين- إلى
رئيس الجمهورية أو إلى الوزير الفلاني، وليقل كلمة الحقِّ عنده ناصحًا
إياه ومبينًا له الحكم الشرعي في أفعاله.
ثم أنا أسأل دعاة المظاهرات سؤالاً صريحًا:
هل
ظهرت أي ثمرة لِهذه المظاهرات؟ وهل تَم الإصلاح المزعوم؟ فيا دعاة
المظاهرات والتحريش: إنكم تجرون جري الوحوش للتمكن من السلطة؟ وسلكتم
كثيرًا من السبل المخالفة للشرع لتحقيق هذا الغرض الدنيوي، وتسببتم في قتل
الكثير من الأبرياء وتشريد العشرات من الأُسَر؛ بسبب صنائعكم؟ فهل وجدتم
طوال تاريخكم الحافل بالدماء أي ثمرة مرجوة من هذه الأفاعيل؟ أم أنكم من
البدء وحتى الآن تـحصدون حنظلاً وفتنًا، وأضعتم ثمرة شباب المسلمين بلا
فائدة، فهلاَّ تعلَّمتم من تـجـاربكم السـابقة إن كـنتم تفقهون أم عـلى
قلوب أقـفالـها؟!
أما
طرق مسامعكم أبدًا نصوص السنة الصحيحة التي تحرم الخروج على الحكَّام
بالقول أو الفعل، وتأمر بالصبر على جورهم كما جاء في الصحيحين: عن ابن
عَبَّاس رضي الله عنه عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من رأى من
أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرًا، فماتَ إلا مات
ميتة جاهلية".
وفِي
لفظ: "فإنه من خرج من السلطان شبرًا فمات مات ميتة جاهلية"؛ فأمر بالصبر
ولم يأمر بالمظاهرات والاحتجاجات، ونَحوه قوله صلى الله عليه وسلم: "من ولي
عليه وال فرآهُ يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله،
ولا يَنْزعنَّ يدًا من طاعة".
وقوله
صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذكر له أن الولاة والأئمة يهتدونَ بغير هديه
ولا يستنونَ بسنته، فسأله حذيفة: كيف أصنعُ يا رَسُول الله، إن أدركت
ذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "تسمعُ وتُطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ
مالك فاسمع وأطع"؛ فأمره بطاعة أميره -أي الحاكم أو الرئيس- ولو في أشد
حالات الظلم وهي أن يُضرب ويُسلب ماله؛ ولَم يرشده إلى تنظيم مظاهرة مع
إخوانه المظلومين يطالبون فيها بحقوقهم السياسية المهضومة.
وقال
صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينصح لسلطان بأمر، فلا يُبد له علانية،
ولكن يأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه، فذاك، وإلا كَانَ قد أدَّى الَّذِي
عليه له".
فماذا أنتم قائلون في هذه الأحاديث؟!
هل هذه الأحاديث دعوة إلى الإرجاء والعمالة المحرمة للحكَّام؟!
أم أنها دعوة إلى الإصلاح الذي يرضاه الله سبحانه، لا الذي يرضاهم الخوارج والبغاة المتظاهرين؟!
أم
أنكم ستريحون أنفسكم وتقولون إن هذه الأحاديث لا تصلح للواقع المعاصر، فإن
قلتموها فقد وافقتكم مَن تحاربون من الأحزاب اللادينية المعارضة لكم التي
تعتذر أيضًا عن عدم تطبيق بعض الأحكام الشرعية بسبب ضغوط الواقع المعاصر
وعدم مواكبتها للعصر بزعمهم؛ فصرتم أنتم وهم سواء في التنكر للسُّنَّة؟!
فإن
كنتم دعاة إلى الإسلام بزعمكم يلزمكم التزام هذه النصوص النبوية في دعوتكم
وإلا كنتم كسائر الأحزاب التي لا تنتمي إلى الإسلام، وتضع برنامج حزبها
وفقًا للسياسات التي تحقق لها المصالح السياسية في زعمها، فلو قلتم نحن
لسنا حزبًا إسلاميًّا لأرحتم المخدوعين من الشباب من اللهث ورائكم تحت
رايات كاذبة؛ لكنكم خدعتم الشباب بهذه الهتافات التي خلطتم فيها بين كلمة
التوحيد "لا إله إلا الله" وبين المطالبة بالإصلاح الدستوري الديمقراطي!!
فألبستم النحل الغربية الفاسدة لباس الإسلام تحت زعم المطالبة بتطبيق الإسلام!! ووالله إن الإسلام الحق برئ من هذه الأفعال.
فإن قلتم: ماذا نصنع بدماء من قتل ظلمًا على أيدي الحاكم الحالي وأعوانه، نحو سيد بلال؟
فأقول:
وماذا تصنعون أنتم في دماء من تسببتم في قتله في هذه المظاهرات سواء من
الهمج التابعين لكم أم من رجال الشرطة الذين خرجوا لتأدية مهمتهم في حماية
المواطنين من السلب والنهب إذا استفحل شركم؟
فإن كانت فتنة مقتل سيد بلال على أيدي ضابط متهور أو جاهل أثارت حفيظتكم، فمن باب أولى إن كنتم صادقين أن يثير حفيظتكم عواقب خروجكم الغوغائي هذا، والتي ألخصها لكم فيما يلي:
أولاً:
إذا سقط النظام الأمني والحكومة المسيطرة على زمام الأمور، وصار الأمر
فوضى، ألا تخشون أن تقع أزمة الأمور فيمن هو أضل سبيلاً من خنازير اليهود
وأحلاسهم أو حثالة الروافض الشيعة الملاعين نحو أتباع حسن نصر الزنديق الذي
يكفِّر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو متأهب لمثل هذه اللحظة حتى
يحقِّق حلم الخميني الفاجر –عليه لعنة الله- في إقامة الدولة الشيعية على
أنقاض هذه الحكومات الحالية، وإزالة السنة من كل بلاد الإسلام بل إزالة مكة
والمدينة من الوجود كما صرَّح بهذا الموسوي في كتابه "لله ثم للتاريخ"،
وقد تحقَّق جزء من خطتهم الخمسينية على أرض العراق، والآن يتأهبون
لاستمراراها على أرض مصر والسعودية لا مكّنهم الله سبحانه.
ثانيًا:
هل مقتل سيد بلال يشفع لكم في أن تضيعوا الأمن والأمان في مصر بهذا
التخريب والإفساد في الأرض عن طريق هذه الحرائق التي قام بها بعض أتباعكم
في المباني والجهات الحكومية أو مراكز الشرطة، والله سبحانه يقول: {وَمِنَ
النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ
اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام.وَإِذَا تَوَلَّى
سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَاد.وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ
الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}؟!
ثالثًا:
فتنة سيد بلال وأشباهه فتن خاصة، أما فتنتكم فهي فتنة عامة، ولكم الأسوة
في إمام السنة أحمد بن حنبل –رحمه الله-، حيث سأله أبو الحارث كما في السنة
للخلاَّل (89): في أمر كان حدث في بغداد، وهمَّ قوم بالخروج قلت: يا أبا
عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول:
"سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه
خير من الفتنة يُسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها
المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه -يعني أيام الفتنة-".
قلت:
والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: "وإن كان فإنما هي
فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا
ويسلم لك دينك خير لك"، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال: الدماء لا أرى
ذلك ولا آمر به.
وفي
طبقات ابن أبي يعلى (1/144) في ترجمة حنبل بن إسحق -ابن عم الإمام أحمد-:
"قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله في ولاية الواثق، وشاوروه
في ترك الرضا بإمرته وسلطانه فقال لهم: عليكم بالنُّكرة في قلوبكم ولا
تخلعوا يدًا من طاعة ولا تشقوا عصَا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء
المسلمين، وذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن ضربك فاصبر؛ فأمر
بالصبر". اهـ
قلت:
والواثق هو ابن المعتصم سار على نهج أبيه وعمه في القول بخلق القرآن، وأن
الله لا يُرى في الآخرة، وامتحن الناس على ذلك، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي
-رحمه الله- أحد أصحاب أحمد-، ومع هذا لم يأمر أحمد بالخروج عليه، أو
الثورة على ظلمه؛ وذلك حفظًا لدماء المسلمين.
وأنتم
تزعمون أن قادتكم ومنظريكم أصحاب دراية واسعة بالتاريخ الإسلامي وعندهم
قدرات فائقة على استخراج العبر من هذا التاريخ والتي بها يحددون كيفية
التعامل مع القوى الخارجية والداخلية على حد تعبيراتكم؛ فإن كنتم صادقين
فيما زعمتم فسوف أقدم لكم الآن واقعة تاريخية أليمة اهتزت لها أرجاء الدولة
الإسلامية حتى تخرجوا لنا منها العبر التي تنفعنا في الأحداث المعاصرة؛
هذه الواقعة هي وقعة الحرة، وقد سرد الحافظ -رحِمَه الله- ملخص أحداثها في
"الفتح" (8/651) فقال: "كانت وقعة الحرة في سنة ثلاث وستين وسببها أن أهل
المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لما بلغهم ما يتعمده من الفساد، فأمَّر
الأنصار عليهم عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر، وأمَّر المهاجرون عليهم
عبدالله بن مطيع العدوي، وأرسل إليهم يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في
جيش كثير فهزمهم واستباحوا المدينة وقتلوا ابن حنظلة، وقُتِل من الأنصار
شيء كثير جدًّا، وكان أنس يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك، فحزن على من أصيب من
الأنصار؛ فكتب إليه زيد بن أرقم -وكان يومئذ بالكوفة- يسليه، ومحصِّل ذلك
أن الذي يصير إلى مغفرة الله لا يشتد الحزن عليه فكان ذلك تعزية لأنس". اهـ
* أقول: سوف أساعدكم على استخراج الدروس من هذه الوقعة الأليمة، ثم نرى ما هـو جوابكم؟
فأقول
أولاً: العاقبة الأليمة للخروج بالقوة على الحاكم الممكن، الذي ما حدث في
زمن من الأزمان منذ عثمان رضي الله عنه إلى وقتنا هذا إلا وترتب عليه
استباحة الدماء والأعراض.
فإذا
قلتم: نحن ما أردنا الخروج على الحاكم، نحن فقط نطالبه بالإصلاح؛ فأقول:
كذبتم؛ بل لقد خرجتم خروج الهمج الرعاع أتباع كل ناعق تهتفون بهذه الهتافات
الحماسية التي خلطتموها بترديد كلمة التوحيد، وهذه العبارات هي تصريح واضح
منكم بنزع اليد من طاعة الحاكم الممكَّن -سدده الله ووفقه- وتهييج الغوغاء
والعامة على الخروج الجماعي للإطاحة بحكومته، ولَم يبق عليكم إلا أن
تحولوا أروقة مصر إلى برك من الدماء باسم الجهاد؛ وإن دين الإسلام والسلف
بريئون براءة تامة من جهادكم المزعوم.
[size=12]أما
بعد، فإن الشعب المصري يَمر هذه الأيام بفتن تَموج كموج البحر؛ ومن هذه
الفتن الـهادرة فتنة هؤلاء المتظاهرين من حزب الإخوان المفسدين وغيرهم من
الحزبيين والشبـاب الـمخدوع الذين خرجوا رجالاً وركبانًا رافعين رايات
الـمطالبة بالإصلاح، ودفع المظالم زعموا!!
* فأقول لِـهؤلاء الـمتظاهرين:
أولاً:
لو بَحثنا معكم أمر الإصلاح الذي تطالبون به؛ هل هو الإصلاح الشرعي القائم
على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لَهم بإحسان؟
والجواب:
لا بل هي طلبات قائمة على الْمُناورات السياسية، والألاعيب الحزبية
ومنازعة الأمر أهله؛ من أجل الصراع على خطف السلطة من الحكَّام القائمين؛
فهو صراع على المناصب والسلطات.
وحتى
لو كانت مطالب الإصلاح موافقة للشرع الحكيم، فليس أبدًا من الشرع أن تتم
المطالبة بهذه الإصلاحات بهذه الطريقة الهمجية المسماة بالمظاهرات، إنما
يكون هذا بالسبيل الشرعي المتمثل في مناصحة من ولاَّه الله الأمر قدرًا من
أصحاب القوة والسلطان، مع الدعاء لهم بالصلاح والتوفيق والهدى، والصبر
عليهم مع جمع كلمة المسلمين والقضاء على أسباب الفتن، وهذا التناصح يكون عن
طريق المشافهة معهم لمن عنده القدرة على الاتصال عليهم، أو عن طريق
المراسلة ونحوها.
ومن
أراد أن يلتزم بحديث: "أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر"، فليطبق
الحديث –إن كان شجاعًا كما يدَّعي- وليذهب –وحده –لا متترسًا بالآخرين- إلى
رئيس الجمهورية أو إلى الوزير الفلاني، وليقل كلمة الحقِّ عنده ناصحًا
إياه ومبينًا له الحكم الشرعي في أفعاله.
ثم أنا أسأل دعاة المظاهرات سؤالاً صريحًا:
هل
ظهرت أي ثمرة لِهذه المظاهرات؟ وهل تَم الإصلاح المزعوم؟ فيا دعاة
المظاهرات والتحريش: إنكم تجرون جري الوحوش للتمكن من السلطة؟ وسلكتم
كثيرًا من السبل المخالفة للشرع لتحقيق هذا الغرض الدنيوي، وتسببتم في قتل
الكثير من الأبرياء وتشريد العشرات من الأُسَر؛ بسبب صنائعكم؟ فهل وجدتم
طوال تاريخكم الحافل بالدماء أي ثمرة مرجوة من هذه الأفاعيل؟ أم أنكم من
البدء وحتى الآن تـحصدون حنظلاً وفتنًا، وأضعتم ثمرة شباب المسلمين بلا
فائدة، فهلاَّ تعلَّمتم من تـجـاربكم السـابقة إن كـنتم تفقهون أم عـلى
قلوب أقـفالـها؟!
أما
طرق مسامعكم أبدًا نصوص السنة الصحيحة التي تحرم الخروج على الحكَّام
بالقول أو الفعل، وتأمر بالصبر على جورهم كما جاء في الصحيحين: عن ابن
عَبَّاس رضي الله عنه عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من رأى من
أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرًا، فماتَ إلا مات
ميتة جاهلية".
وفِي
لفظ: "فإنه من خرج من السلطان شبرًا فمات مات ميتة جاهلية"؛ فأمر بالصبر
ولم يأمر بالمظاهرات والاحتجاجات، ونَحوه قوله صلى الله عليه وسلم: "من ولي
عليه وال فرآهُ يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله،
ولا يَنْزعنَّ يدًا من طاعة".
وقوله
صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذكر له أن الولاة والأئمة يهتدونَ بغير هديه
ولا يستنونَ بسنته، فسأله حذيفة: كيف أصنعُ يا رَسُول الله، إن أدركت
ذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "تسمعُ وتُطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ
مالك فاسمع وأطع"؛ فأمره بطاعة أميره -أي الحاكم أو الرئيس- ولو في أشد
حالات الظلم وهي أن يُضرب ويُسلب ماله؛ ولَم يرشده إلى تنظيم مظاهرة مع
إخوانه المظلومين يطالبون فيها بحقوقهم السياسية المهضومة.
وقال
صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينصح لسلطان بأمر، فلا يُبد له علانية،
ولكن يأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه، فذاك، وإلا كَانَ قد أدَّى الَّذِي
عليه له".
فماذا أنتم قائلون في هذه الأحاديث؟!
هل هذه الأحاديث دعوة إلى الإرجاء والعمالة المحرمة للحكَّام؟!
أم أنها دعوة إلى الإصلاح الذي يرضاه الله سبحانه، لا الذي يرضاهم الخوارج والبغاة المتظاهرين؟!
أم
أنكم ستريحون أنفسكم وتقولون إن هذه الأحاديث لا تصلح للواقع المعاصر، فإن
قلتموها فقد وافقتكم مَن تحاربون من الأحزاب اللادينية المعارضة لكم التي
تعتذر أيضًا عن عدم تطبيق بعض الأحكام الشرعية بسبب ضغوط الواقع المعاصر
وعدم مواكبتها للعصر بزعمهم؛ فصرتم أنتم وهم سواء في التنكر للسُّنَّة؟!
فإن
كنتم دعاة إلى الإسلام بزعمكم يلزمكم التزام هذه النصوص النبوية في دعوتكم
وإلا كنتم كسائر الأحزاب التي لا تنتمي إلى الإسلام، وتضع برنامج حزبها
وفقًا للسياسات التي تحقق لها المصالح السياسية في زعمها، فلو قلتم نحن
لسنا حزبًا إسلاميًّا لأرحتم المخدوعين من الشباب من اللهث ورائكم تحت
رايات كاذبة؛ لكنكم خدعتم الشباب بهذه الهتافات التي خلطتم فيها بين كلمة
التوحيد "لا إله إلا الله" وبين المطالبة بالإصلاح الدستوري الديمقراطي!!
فألبستم النحل الغربية الفاسدة لباس الإسلام تحت زعم المطالبة بتطبيق الإسلام!! ووالله إن الإسلام الحق برئ من هذه الأفعال.
فإن قلتم: ماذا نصنع بدماء من قتل ظلمًا على أيدي الحاكم الحالي وأعوانه، نحو سيد بلال؟
فأقول:
وماذا تصنعون أنتم في دماء من تسببتم في قتله في هذه المظاهرات سواء من
الهمج التابعين لكم أم من رجال الشرطة الذين خرجوا لتأدية مهمتهم في حماية
المواطنين من السلب والنهب إذا استفحل شركم؟
فإن كانت فتنة مقتل سيد بلال على أيدي ضابط متهور أو جاهل أثارت حفيظتكم، فمن باب أولى إن كنتم صادقين أن يثير حفيظتكم عواقب خروجكم الغوغائي هذا، والتي ألخصها لكم فيما يلي:
أولاً:
إذا سقط النظام الأمني والحكومة المسيطرة على زمام الأمور، وصار الأمر
فوضى، ألا تخشون أن تقع أزمة الأمور فيمن هو أضل سبيلاً من خنازير اليهود
وأحلاسهم أو حثالة الروافض الشيعة الملاعين نحو أتباع حسن نصر الزنديق الذي
يكفِّر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو متأهب لمثل هذه اللحظة حتى
يحقِّق حلم الخميني الفاجر –عليه لعنة الله- في إقامة الدولة الشيعية على
أنقاض هذه الحكومات الحالية، وإزالة السنة من كل بلاد الإسلام بل إزالة مكة
والمدينة من الوجود كما صرَّح بهذا الموسوي في كتابه "لله ثم للتاريخ"،
وقد تحقَّق جزء من خطتهم الخمسينية على أرض العراق، والآن يتأهبون
لاستمراراها على أرض مصر والسعودية لا مكّنهم الله سبحانه.
ثانيًا:
هل مقتل سيد بلال يشفع لكم في أن تضيعوا الأمن والأمان في مصر بهذا
التخريب والإفساد في الأرض عن طريق هذه الحرائق التي قام بها بعض أتباعكم
في المباني والجهات الحكومية أو مراكز الشرطة، والله سبحانه يقول: {وَمِنَ
النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ
اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام.وَإِذَا تَوَلَّى
سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَاد.وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ
الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}؟!
ثالثًا:
فتنة سيد بلال وأشباهه فتن خاصة، أما فتنتكم فهي فتنة عامة، ولكم الأسوة
في إمام السنة أحمد بن حنبل –رحمه الله-، حيث سأله أبو الحارث كما في السنة
للخلاَّل (89): في أمر كان حدث في بغداد، وهمَّ قوم بالخروج قلت: يا أبا
عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول:
"سبحان الله الدماء الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه
خير من الفتنة يُسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها
المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه -يعني أيام الفتنة-".
قلت:
والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: "وإن كان فإنما هي
فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا
ويسلم لك دينك خير لك"، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال: الدماء لا أرى
ذلك ولا آمر به.
وفي
طبقات ابن أبي يعلى (1/144) في ترجمة حنبل بن إسحق -ابن عم الإمام أحمد-:
"قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله في ولاية الواثق، وشاوروه
في ترك الرضا بإمرته وسلطانه فقال لهم: عليكم بالنُّكرة في قلوبكم ولا
تخلعوا يدًا من طاعة ولا تشقوا عصَا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء
المسلمين، وذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن ضربك فاصبر؛ فأمر
بالصبر". اهـ
قلت:
والواثق هو ابن المعتصم سار على نهج أبيه وعمه في القول بخلق القرآن، وأن
الله لا يُرى في الآخرة، وامتحن الناس على ذلك، وقتل أحمد بن نصر الخزاعي
-رحمه الله- أحد أصحاب أحمد-، ومع هذا لم يأمر أحمد بالخروج عليه، أو
الثورة على ظلمه؛ وذلك حفظًا لدماء المسلمين.
وأنتم
تزعمون أن قادتكم ومنظريكم أصحاب دراية واسعة بالتاريخ الإسلامي وعندهم
قدرات فائقة على استخراج العبر من هذا التاريخ والتي بها يحددون كيفية
التعامل مع القوى الخارجية والداخلية على حد تعبيراتكم؛ فإن كنتم صادقين
فيما زعمتم فسوف أقدم لكم الآن واقعة تاريخية أليمة اهتزت لها أرجاء الدولة
الإسلامية حتى تخرجوا لنا منها العبر التي تنفعنا في الأحداث المعاصرة؛
هذه الواقعة هي وقعة الحرة، وقد سرد الحافظ -رحِمَه الله- ملخص أحداثها في
"الفتح" (8/651) فقال: "كانت وقعة الحرة في سنة ثلاث وستين وسببها أن أهل
المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لما بلغهم ما يتعمده من الفساد، فأمَّر
الأنصار عليهم عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر، وأمَّر المهاجرون عليهم
عبدالله بن مطيع العدوي، وأرسل إليهم يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في
جيش كثير فهزمهم واستباحوا المدينة وقتلوا ابن حنظلة، وقُتِل من الأنصار
شيء كثير جدًّا، وكان أنس يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك، فحزن على من أصيب من
الأنصار؛ فكتب إليه زيد بن أرقم -وكان يومئذ بالكوفة- يسليه، ومحصِّل ذلك
أن الذي يصير إلى مغفرة الله لا يشتد الحزن عليه فكان ذلك تعزية لأنس". اهـ
* أقول: سوف أساعدكم على استخراج الدروس من هذه الوقعة الأليمة، ثم نرى ما هـو جوابكم؟
فأقول
أولاً: العاقبة الأليمة للخروج بالقوة على الحاكم الممكن، الذي ما حدث في
زمن من الأزمان منذ عثمان رضي الله عنه إلى وقتنا هذا إلا وترتب عليه
استباحة الدماء والأعراض.
فإذا
قلتم: نحن ما أردنا الخروج على الحاكم، نحن فقط نطالبه بالإصلاح؛ فأقول:
كذبتم؛ بل لقد خرجتم خروج الهمج الرعاع أتباع كل ناعق تهتفون بهذه الهتافات
الحماسية التي خلطتموها بترديد كلمة التوحيد، وهذه العبارات هي تصريح واضح
منكم بنزع اليد من طاعة الحاكم الممكَّن -سدده الله ووفقه- وتهييج الغوغاء
والعامة على الخروج الجماعي للإطاحة بحكومته، ولَم يبق عليكم إلا أن
تحولوا أروقة مصر إلى برك من الدماء باسم الجهاد؛ وإن دين الإسلام والسلف
بريئون براءة تامة من جهادكم المزعوم.